استقبل سماحة آیة الله العظمى السیدعلی الخامنئی قبل ظهر یوم الخمیس 05/09/2013 م رئیس و أعضاء مجلس خبراء القیادة، و أوصى فی حدیث مهم کل المسؤولین و أصحاب القرار و صنّاعه على مختلف المستویات فی النظام الإسلامی بالنظرة الشاملة و الجامعة لقضایا البلاد و المنطقة و العالم، و اتخاذ المواقف عن بصیرة و بعیداً عن الانفعالات، مؤکداً: على کل المسؤولین فی اتخاذهم لقراراتهم و مواقفهم أن یأخذوا بالضرورة بنظر الاعتبار العناصر الثلاثة: «المبادئ و الأهداف» و «الاستراتیجیات العامة و الکلیة» و « الواقع و الواقعیات»، و یعملوا، و بمنحى عقلانی و بتفاؤل تجاه المستقبل، على تعزیز و تقویة البنیة الداخلیة للنظام و معالجة المشکلات و الصمود على الأصول و المبادئ.
و أکد قائد الثورة الإسلامیة على ضرورة النظرة الجامعة و العامة و الشاملة للأحداث و القضایا مضیفاً: من هذه الأحداث تأسیس نظام الجمهوریة الإسلامیة الذی حدث فی غمرة أعاصیر شدیدة و بالاعتماد على الإسلام و فی عالم یسیر نحو المادیة، و قد کان هذا الحدث أشبه بالمعجزة.
و ألمح آیة الله العظمى السید علی الخامنئی إلى حالات المعارضة و العداء ضد النظام الإسلامی منذ بدایة انتصار الثورة الإسلامیة و إلى الآن قائلاً: السبب الأصلی فی کل هذا العداء هو الإسلام.
و أوضح سماحته أن الشرط اللازم للتحلیل الصائب للظروف الراهنة فی المنطقة و العالم و الاصطفافات الموجودة مقابل النظام الإسلامی، التوفر على نظرة جامعة و شاملة و متطابقة مع الواقع مؤکداً: مع أن منطقة غرب آسیا کانت منذ سنین عرضة لهیمنة الاستکبار و صولاته و جولاته، و لکن فی مثل هذه الظروف وقع حدث کبیر هو الصحوة الإسلامیة الذی جاء خلافاً لإرادة الاستکبار.
و قال قائد الثورة الإسلامیة: التصور بأن الصحوة الإسلامیة قد اندثرت تصور خاطئ، لأن الصحوة الإسلامیة لیست مجرد حدث سیاسی یزول بمجیئ بعض الأفراد و یزول بزوالهم، إنما الصحوة الإسلامیة حالة تنبّه و ثقة بالذات و اعتماد على الإسلام انتشرت فی المجتمعات الإسلامیة.
و لفت آیة الله العظمى السید الخامنئی: ما نشهده فی المنطقة راهناً هو فی الحقیقة ردود أفعال الاستکبار و على رأسه أمریکا حیال الصحوة الإسلامیة.
و أشار سماحته إلى مساعی الاستکبار لحلّ القضایا و الأمور على أساس مصالحهم مؤکداً: تواجد الاستکبار فی هذه المنطقة تواجد عدوانی و تعسفی و جشع و بهدف القضاء على أیة مقاومة إزاء هذا التواجد، لکن جبهة الاستکبار لم تستطع القضاء على هذه المقاومة، و لن تستطیع ذلک بعد الآن أیضاً.
و عدّ قائد الثورة الإسلامیة الهدف الأصلی للاستکبار فی المنطقة الهیمنة علیها بمحوریة الکیان الصهیونی مردفاً: و هذا هو الهدف أیضاً فی الأحداث الأخیرة فی سوریة و التی بدأت بذریعة استخدام السلاح الکیمیاوی، لکن الأمریکان یحاولون بالسفسطة و طلاوة اللسان أن یتظاهروا بأنهم یتدخلون فی القضیة لأهداف إنسانیة.
و أکد سماحة آیة الله العظمى السید الخامنئی على أن ما لا یهتم به الساسة الأمریکان هو القضایا الإنسانیة، ملفتاً: یتشدّق الأمریکان بالادعاءات الإنسانیة فی حین یحتوی ملفهم سوابق سجون غوانتانامو و أبی غریب، و الصمت عن استخدام صدام للأسلحة الکیمیاویة فی حلبچه و مدن إیران، و ارتکاب مذابح ضد الناس الأبریاء العزّل فی أفغانستان و باکستان و العراق.
و شدّد سماحته قائلاً: القضیة الإنسانیة لیست موضوعاً ثمة فی العالم من یصدّق أن أمریکا تهتم به و تسعى وراءه.
و أشار قائد الثورة الإسلامیة یقول: إننا نعتقد أن الأمریکان یرتکبون خطأ فی سوریة، لذلک سیشعرون بالضربات التی ستلحقهم و سوف یتضررون بالتأکید.
و شدّد الإمام السید علی الخامنئی قائلاً: نظام الجمهوریة الإسلامیة الآن و بعد مضی ثلاثین عاماً على حالات العداء و المؤامرات و الظروف الراهنة فی المنطقة، لم یتجه نحو الضعف أبداً، و لیس هذا و حسب بل ازداد قوة من حیث الاقتدار و تنمیة النفوذ.
و بعد أن أوضح سماحته حقائق تأسیس نظام الجمهوریة الإسلامیة و اقتداره المتزاید على الرغم من کل حالات العداء و الاصطفافات فی المنطقة و العالم ضده، أضاف قائلاً: على کل المسؤولین أن یأخذوا بنظر الاعتبار فی قراراتهم و مواقفهم العناصر الثلاث: 1 – المبادئ و الأهداف، 2 – الاستراتیجیات العامة و الکلیة، 3 – الواقع و الواقعیات.
و أکد قائد الثورة الإسلامیة فی معرض بیانه لعنصر المبادئ و الأهداف: هدف الجمهوریة الإسلامیة الإیرانیة و طموحها هو خلق حضارة إسلامیة و مجتمع متقدم من الناحیة المادیة و المعنویة.
و استطرد سماحته آیة الله العظمى السید الخامنئی یقول: استراتیجیات الوصول إلى هذا الهدف معروفة و مشخصة. إنها استراتیجیات الاعتماد على الإسلام و النزعة الإسلامیة، و ملاحظة أن لا نکون ظالمین و لا مظلومین فی علاقاتنا المختلفة، و استراتیجیة التوکّؤ على أصوات الشعب، و استراتیجیة العمل و السعی العام، و استراتیجیة الوحدة الوطنیة.
و شدّد سماحته على ضرورة النظرة الصحیحة للواقع و الواقعیات منوّهاً: النزعة المبدئیة یجب أن تکون مصحوبة بنظرة للواقع، لکن هذه النظرة للواقع بدورها یجب أن تکون صحیحة و شاملة و بعیدة عن النظر الأحادی.
و أشار قائد الثورة الإسلامیة إلى وجود واقعیات حلوة و مرّة فی المجتمع مردفاً: فی اتخاذ القرارات و النظر لقضایا البلاد یجب أن لا ننظر فقط للواقعیات المرّة، إنما یجب أیضاً مشاهدة واقعیات من قبیل وجود أفکار مبرّزة و عناصر نشیطة و مبدعة فی المجتمع، و رواج الدین بین الناس و خصوصاً بین جیل الشباب، و بقاء الشعارات الدینیة و الإسلامیة، و النفوذ المتزاید لنظام الجمهوریة الإسلامیة فی المنطقة و العالم، و العمل انطلاقاً من هذه الواقعیات الحلوة على محو أو تقلیل الواقعیات المریرة.
و تابع آیة الله العظمى السید الخامنئی یقول: وجود بعض الواقعیات المریرة کمانع فی طریقنا یجب أن لا یصرفنا عن متابعة المسیر، إنما یجب بنظرة صحیحة العمل على رفع ذلک المانع أو تخطیه.
و عدّ سماحته أداء الإمام الخمینی الجلیل (رض) فی العقد الأول من عمر الثورة الإسلامیة قائماً على هذا المنهج و الأساس، و أضاف مؤکداً: الإمام الخمینی (رض) لم یغمض عینیه أمام الواقع، لکنه فی الوقت نفسه لم یتنازل عن الأصول.
و أضاف قائد الثورة الإسلامیة: الإمام الخمینی (رض) هو نفس الشخص الذی قال «الکیان الصهیونی غدة سرطانیة و یجب أن تزول» و لم یمارس التقیة أبداً بخصوص الکیان الصهیونی.
و أکد آیة الله العظمى السید الخامنئی: الإمام الخمینی (رض) لم یعمل بالتقیة حیال أمریکا و شرورها أیضاً، و الجملة المعروفة «أمریکا هی الشیطان الأکبر» من کلام الإمام الخمینی.
و استطرد سماحته یقول: عبارة «احتلال السفارة الأمریکیة هی الثورة الثانیة و ربما کانت أهم من الثورة الأولى» هی أیضاً من قول الإمام الخمینی (رض).
و أشار قائد الثورة الإسلامیة فی معرض بیانه لسلوک الإمام الخمینی (رض) و أدائه فی العقد الأول من الثورة إلى قضیة الحرب المفروضة مردفاً: یوم کان الجمیع یرفعون شعار «حرب حرب حتى النصر» رفع الإمام الخمینی شعار «حرب حرب حتى رفع الفتنة».
و أکد الإمام الخامنئی ملخّصاً هذا الجانب من حدیثه: صمود الإمام الخمینی الجلیل (رض) هذا، هو الذی عزّز أرکان النظام الإسلامی.
و أردف سماحته قائلاً: أمامنا الیوم وضع الأشخاص أو البلدان التی تنازلت عن أصولها لأجل خطب ودّ المستکبرین.
و تابع قائد الثورة الإسلامیة یقول: لو کان فی مصر شعار مکافحة إسرائیل، و لو لم یتنازلوا مقابل وعود أمریکا، لما حصل بکل تأکید أن یطلقوا سراح الدکتاتور الذی أذلّ الشعب المصری من السجن، و یسوقوا من انتخبهم شعب مصر إلى السجون و المحاکمات.
و قال آیة الله العظمى السید الخامنئی: لو صمدوا على الأصول فی مصر لسار المعترضون الذین وقفوا بوجه من انتخبهم الشعب، إلیهم.
و نبّه سماحته فی هذا الجانب من حدیثه إلى نقطة هی الاستراتیجیة الأساسیة التی یتبعها أعداء الإسلام فی خلق الخلافات المذهبیة و الطائفیة فی المنطقة.
و قال قائد الثورة الإسلامیة: من أجل أن یطبق العدو استراتیجیته هذه و یشعل نیران الفتنة یستخدم جماعتین مرتزقتین، إحداهما الجماعة المرتزقة التکفیریة التی تتلفع باسم السنة، و الأخرى المرتزقة الذین یتلفعون باسم الشیعة فی نشاطهم.
و أکد آیة الله العظمى السید الخامنئی: أیة مجموعة أو حکومة تنخدع بهذه المؤامرة الکبرى ستوجّه بلا شک ضربة للحرکة الإسلامیة.
و أضاف یقول: على کبار علماء الشیعة و السنة أن یحذروا من أن تؤدی الاختلافات بین الفرق الإسلامیة إلى اصطفاف جبهات جدیدة و الغفلة عن العدو الأصلی.
و تتمة لحدیثه حول ضرورة النظرة الجامعة العامة لقضایا المجتمع و واقعیاته، أشار قائد الثورة الإسلامیة إلى بعض مشکلات البلاد قائلاً: الطریق الأصلی لحل مشکلات البلاد هو تعزیز البنیة الداخلیة للنظام على أساس نظرة عقلائیة.
و لفت الإمام السید علی الخامنئی قائلاً: تعزیز البنیة الداخلیة للبلاد ممکن عن طریق التقدم العلمی و الإدارة الاقتصادیة الصحیحة.
و أضاف یقول: السبب فی ترکیز الضغوط على النفط الیوم هو أننا لم نستطع بعد الحرب تقلیل اعتمادنا على النفط، و علیه یجب دوماً السیر باتجاه تمتین البنیة الداخلیة و حل المشکلات بالقوة و الإرادة.
و ألمح قائد الثورة الإسلامیة: من امتیازات الظروف الراهنة تولّی حکومة جدیدة بمجموعة من الأفراد أصحاب القدرات و المصممین على التقدم بالبلاد نحو الأهداف.
و اعتبر قائد الثورة الإسلامیة رئیس الجمهوریة رجل دین ثوری ذا سابقة و نشاط فی المجالات المختلفة، مؤکداً: فی مثل هذه الظروف یجب على الجمیع مساعدة الحکومة، و أنا مثلما دعمتُ کل الحکومات السابقة أدعم هذه الحکومة أیضاً.
و لفت سماحته قائلاً: طبعاً دعمی للحکومات لا یعنی تأیید کل أعمالها، و قد تکون هناک مؤاخذات، بید أن هذه المؤاخذات یجب أن لا تمنع مساعدة الحکومة.
و أضاف قائد الثورة الإسلامیة: مضافاً إلى مساعدة الحکومة یجب أیضاً تقدیم النصائح المشفقة لها.
و أکد آیة الله العظمى السید علی الخامنئی: على المسؤولین بدورهم أن یتقبلوا هذه النصائح المخلصة حتى لو کانت فی بعض الأحیان حادة و شدیدة.
و أشار سماحته إلى الاصطفافات الواضحة فی المنطقة و العالم مردفاً: اللین الفنی و البطولی فی کل المیادین السیاسیة حالة مطلوبة و مقبولة، على أن هذه المناورات الفنیة یجب أن لا تکون بمعنى تجاوز الخطوط الحمراء و الرجوع عن الاستراتیجیات الأساسیة و عدم الاهتمام للمبادئ.
و لفت قائد الثورة الإسلامیة: من الطبیعی أن تکون لکل حکومة إبداعاتها و أسالیبها التی سوف تتقدم إلى الأمام على أساسها.
و فی معرض تقییمه لظروف البلاد، وصف آیة الله العظمى الخامنئی المستقبل بأنه مشرق جداً و قال: إننی متفائل بالمستقبل تماماً و اعتقد أن کل مشکلات البلاد من اقتصادیة و سیاسیة و ثقافیة و هی أعمق من غیرها، ممکنة الحل.
و ثمّن قائد الثورة الإسلامیة فی جانب آخر من حدیثه الخطوة المفیدة و البناءة جداً لمجلس خبراء القیادة بتشییع الشهداء المجهولین، مؤکداً: تواجد رئیس و نواب مجلس الخبراء المحترمین فی تشییع الشهداء المجهولین کان درساً کبیراً للمجتمع، لأن البلد و المجتمع بحاجة دوماً إلى إحیاء ذکرى الشهداء و دربهم.
فی بدایة هذا اللقاء تحدث رئیس مجلس خبراء القیادة آیة الله الشیخ مهدوی کنی واصفاً اجتماع المجلس الذی استمر لیومین بأنه جید.
کما تحدث آیة الله السید هاشمی شاهرودی نائب رئیس مجلس خبراء القیادة مقدماً تقریراً عن النقاشات التی دارت فی جلسات الاجتماع الأخیرة للمجلس.